إن هناك رواية مروية عن الإمام الجواد (ع)، هذه الرواية من الروايات المتشابهة.. كما أن القرآن فيه محكم ومتشابه، كذلك في أحاديث أهل البيت (ع)، هناك روايات قد لا تفهم حق الفهم.. فالذي يسمع الرواية قد يخطئ الفهم.. يقول الإمام الجواد (ع): (القصد إلى الله بالقلوب، أبلغ من إتعاب الجوارح بالأعمال).. لماذا هذه الرواية من المتشابهات؟..
إن البعض قد يقول: هذه رواية جدا مريحة: لماذا أتعب نفسي، وأصلي صلاة الليل؛ يكفي أن أستلقي على الفراش، وأفكر في ملكوت السموات والأرض ساعة أو نصف ساعة؛ ثم أنام.. آتي إلى المسجد، وأجلس في زاوية، ولا داعي أن أصلى تحية المسجد، ولا نوافل؛ يكفي أن يكون قلبي مشغولا بالله عز وجل.. لماذا أتعب نفسي كما كان النبي والأئمة (ع) يتعبون أنفسهم؟.. قد يتذرع الإنسان بهذه الذريعة، فيشغله ذلك عن الله عز وجل.. وبالمقابل هناك عكس هذا الصنف، يتكلم مع الآخرين، وبيده سبحة، ولا يلتفت إلى ما يقال له؛ ألا يقتضي الأدب الإصغاء للمتكلم؟!..
إن الصنف الأول يعتمد على الذكر القلبي، والثاني يعتمد على العمل الجوارحي.. هناك قاعدة عامة تقول: (اليمين والشمال مضلّة، والطريق الوسطى هي الجادة).. لا إفراط ولا تفريط، الجاهل إما مفرِط أو مفرِّط: يوم يعتزل الناس ويوم يقبل، يوم سخي ويوم بخيل، يوم بشوش ويوم حاد المزاج.. بينما المؤمن يجمع بين التكليفين: بين العمل الجوانحي، والعمل الجوارحي.. إن كان ولابد يقدم العمل الجوارحي، ولكنه يجعله محببا لنفسه.. لو دار الأمر بين صلاة ليل ساعة ليس فيها توجه، وبين شفع ووتر فيهما كمال التوجه، تقول الرواية: (ركعتان مقتصدتان؛ خير من قيام ليلة والقلب ساه).
فإذن، إن الحل هو أن نجمع بين الكم والكيف، وعند التعارض بين الكم والكيف؛ نقدم الكيف على الكم، لا أن نلغي الكم أساسا؛ بل نطعم الكم بكيف راق.. من منا يخلو من مشكلة: إما في نفسه، أو في أهله، أو في ماله، أو في مجتمعه؟!.. كل واحد منا مصاب في إحدى هذه الحلقات، (الدُّنْيَا سِجْنُ الْمُؤْمِنِ، وَجَنَّةُ الْكَافِرِ).. والأئمة (ع) كذلك كان ينتابهم الضيق، فيأتي أحدهم إلى المسجد، ويصلي لله -عز وجل- ركعتين، ويقول: (إلهي!.. عبدك ببابك، يا محسن أتاك المسيء، وقد أمرت المحسن أن يتجاوز عن المسيء، فأنت المحسن وأنا المسيء، فتجاوز عن قبيح ما عندي بكريم ما عندك يا كريم)!.. المؤمن كذلك يتشبه بقادته (ع): يتطيب ويذهب إلى المسجد، ويقف أمام بيت الله عز وجل، ويقول تلك الكلمات التي تفتح له الحجب، ويأخذ زاوية من المسجد، وخاصة في غير أوقات الصلاة، بعنوان: الالتجاء إلى المسجد.. ويتكلم مع رب العالمين، ولا داعي لذكر الحاجة، يقول فقط: علمك بحالي، يغني عن سؤالي.. ثم فلينظر كيف يأتيه الفرج!..